https://otieu.com/4/10032781

 
















يُحكى في قديم الزمان أنه كان هناك ملكاً حكيماً تقدم به العمر، فأراد أن يختار من أبنائه الثلاثة ولياً للعهد من بعده، يختاره على عينه قبل رحيله عن الحياة ليضمن بقاء واستمرار ملكه مثلما طمح وأراد طوال حياته، وكان المعيار عنده ليس الأكبر سناً ولا الأقوى جسداً، بل الأرجح عقلاً والأكثر رزانة وحكمة. فجمع هذا الملك أبناءه الثلاثة، وأعطى كل واحد منهم ديناراً واحداً وحسب، وقال لهم: “أريد من ثلاثتكم أن تشتروا بهذا الدينار شيئاً يملأ هذه الغرفة الواسعة من أولها لآخرها، ولا يترك فيها زاوية واحدة إلا وقد شغلها، ولكم مني مهلة من الوقت تنتهي بغروب الشمس”. أسرع الابن الأكبر، وكان معروفاً بقوته البدنية ونشاطه الشديد إلى السوق، فاشترى بكل ما معه من مال قشاً، وقضى طوال النهار يحمل أحمال القش الثقيلة نسبيا على ظهره، وينقلها إلى الغرفة نفسها وكان يتصبب عرقاً من سائر جسده، بذل اللابن الأكبر جهداً عضلياً مضنيا وشاقاً، وعلى الرغم من كل ذلك إلا إنه عند الغروب لم يملأ سوى نصف الغرفة. أما عن الابن الأوسط، فظن أنه أذكى قليلاً من أخيه الأكبر، فاشترى بالدينار “ريشاً”، وقد اعتقد أنه أخف وزناً من القش وأكثر منه كثافة، وظل ينفخ الريش وينثره في الأرجاء بجهد أقل من أخيه، ولكنه في النهاية عجز عن ملأ الغرفة كما أراد الملك منهم وأخبرهم به، وبقيت لا تزال هناك فراغات كثيرة في السقف والزوايا، فبات حاله كحال أخيه الأكبر لم يختلف عنه كثيرا! أما عن الابن الأصغر، والذي كان متميزا بالهدوء والتأمل الدائم لكل ما حوله، فقد جلس طوال النهار يفكر ولم يبذل أي جهد بدني عضلي يذكر على الإطلاق، وقبيل غروب الشمس وانتهاء الوقت المحدد من قبل والده الملك بدقائق معدودات، ذهب واشترى بديناره شمعة صغيرة ومعها علبة ثقاب! دخل الملك الغرفة ما إن غربت الشمس ليرى ما قام بفعله أبنائه الثلاثة، وإذا به يجد القش والريش يملآن جزءاً من المكان والفوضى تعم الأرجاء، ثم نظر إلى ابنه الأصغر وسأله قائلا: “وأنت يا بني، ماذا فعلت؟!”. قام الابن الأصغر في وسط الغرفة المظلمة ملبيا نداء أبيه، وأشعل الشمعة الصغيرة، فإذا بالضوء ينتشر في التو واللحظة فيعبأ الغرفة بأكملها، لقد عبأها الضوء من أرضها لسقفها، ووصل في كل زاوية وركن، كما كان طلب الملك أبيهم وصل لكل مكان دون أن يترك نقطة واحداً مظلمة على الإطلاق. شعر الملك بالرضا وضم ابنه الصغير إلى صدره وقال: “صدقت يا بني الصغير، فبالنور تضاء العقول وتُملأ الأماكن، وليس بالجهد والعضلات وحسب تقوم الأشياء”، وفي يومها أعلن الملك أمام الجميع أن ابنه الأصغر هو ولي العهد من بعده.

إرسال تعليق

حقوق النشر © بحر الطفولة جميع الحقوق محفوظة
x